الدكتور البشير المتاقي أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، بالمملكة المغربية

أزمة تونس والمغرب

أزمة تونس والمغرب
03
September

أزمة تونس والمغرب

كيف تقرؤون الموقف التونسي من استقبال رئيس الجمهورية الوهمية؟ وما تلاه من ردود أفعال؟


   لا يمكن تقديم أكثر من قراءة واحدة، لما قام به الرئيس التونسي قيس سعيد، وهي أنها خرجت عن المألوف والموقف الإيجابي والمحايد لجميع الرؤساء التونسيين السابقين، من قضية وحدتنا للترابية الثابتة القائمة على مغربية الصحراء والشرعية القانونية، وذلك في ظل الاعتراف الكبير والواسع للمنتظم الدولي بسيادة المملكة المغربية على كافة ترابها، حيث تم فتح أكثر من سبعة وعشرين قنصلية بكل من مدينتي العيون والداخلة، وهو ما يفيد بأن التوجه يسير في اتجاه الطي النهائي لهذا الملف المفتعل من قبل الخصوم، ومن له مصلحة في استمرار هذا النزاع الذي يمس بسيادة المغرب ووحدته.


وبالتالي؛ فالموقف أولا لا يمكن قراءته بمعزل عن كل الدسائس والمناورات، التي يقوم بها بعض الخصوم للنيل من وحدة المملكة، مع كل مناسبة تتاح لهم، علما أن هذه السياسة أصبحت متجاوزة، وتعاكس توجه المنتظم الدولي، والمتمثل في مواقف أغلب الدول الكبرى كأمريكا، ألمانيا، إسبانيا وهولندا وغيرها.. وبالتالي فما قام به النظام التونسي، يعتبر سقوطا غير محسوب العواقب على العلاقات المغربية التونسية، ديبلوماسيا، وحضاريا، مند تاريخ يمتد إلى عهود ليست بالقريبة. 


وما يزكي هذا الطرح؛ هو الاستنكار الكبير سواء داخل المملكة المغربية، والمجتمع التونسي من طرف مجموعة من الأكاديميين والمجتمع المدني ووزراء، ورجال دولة سابقين.. يستنكرون هذا الحدث غير المتوقع، والمحسوب من طرف الرئاسة التونسية، والتي تضرب في عمق العلاقات وحسن الجوار بين البلدين المغاربيين.


 تونس اعتبرت بيان الخارجية المغربية، تدخلا في قرار الدولة السيادي، كيف تعلقون على الموضوع بصفتكم أستاذا للقانون العام ومهتم بالشأن المغاربي؟ 


لا يعتبر البيان تدخلا في سيادة دولة تونس، بل رد فعل طبيعي على استقبال رسمي من طرف الرئاسة التونسية، لزعيم البوليساريو كحركة انفصالية، والتي ليست بدولة معترف بها من طرف المنتظم الدولي، وليست عضوا رسميا ومعترفا به في الأمم المتحدة، 


بل يخالف موقف تونس الحيادي، من هذا النزاع علما أن الحكومة والمجتمع التونسيين، لا يعترفان بهذا الكيان الوهمي، وبالتالي من حق المغرب، أن يعبر عن موقفه تجاه تونس كدولة عضو في منظمة الاتحاد المغاربي، والتي تتأسس بنوده على احترام سيادة بلدان الاتحاد منذ اتفاقية مراكش 1989.


كما أن اليابان لم توجه للبوليساريو دعوة رسمية لحضور أشغال تيكاد 8، وكون أن دولة اليابان لا تعترف بهذا الكيان الوهمي، ولا تربطه أية علاقات معه. وبالتالي فحضور البوليساريو يعد حالة غريبة وشاذة.


مع العلم أن المؤتمر يضم اليابان ودول افريقية معترف بها، وليس الاتحاد الافريقي، وبالتالي ففرضية حضور منظمة الاتحاد الافريقي كطرف رسمي، لا يتوافق مع المقتضيات التي تنظم ويتأسس عليها هذا الملتقى الياباني الافريقي.


كما لا يفوتنا التذكير بالموقف الذي أقدمت عليه تونس، بامتناعها المفاجئ وغير المبرر عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2602، الذي اعتمد في أكتوبر، الأمر الذي آثار  استغرابا بل شكوكا حقيقية ومشروعة، من طرف الديبلوماسية المغربية، بشأن دعمها للمسار السياسي ولقرارات الأمم المتحدة، في ظل الجهود المبذولة من طرف المنتظم الدولي، في حل الأزمة المفتعلة، وفي ظل الجهود الديبلوماسية للمملكة المغربية، على أكثر من مستوى وجبهة، وفي ظل الاحتكام إلى العقل والشرعية الدولية، والتي ما فتئ المغرب يلتزم بهما، جاء تصرف الرئاسة التونسية عكس كل التوقعات.


مجموعة من الدول امتعضت من غياب المغرب عن القمة، كيف ترون مستقبل العلاقات المغربية التونسية؟


تعكس ردود فعل رؤساء الدول الإفريقية، ودولة اليابان من غياب المملكة عن أشغال مؤتمر تيكاد8، المكانة والوزن الكبيرين اللذان تحتلهما المملكة المغربية في المنطقة، رغم الصعوبات التي يواجهها المغرب، بفعل موقعه الاستراتيجي في شمال افريقيا، وتموقعه على الضفة الجنوبية لحوض البحر المتوسط. كل هذا جعله يلعب دورا كبيرا في إرساء الأمن، والتعاطي مع ملف الهجرة، وفق ما تقتضيه مقتضيات حقوق الانسان، أمام موجات الهجرة من عدة دول افريقية، والتحديات الأمنية التي يطرحها الإرهاب.


ويمكن اعتبار موقف الدول من غياب المملكة، عن أشغال المؤتمر، تزكية للمواقف الإيجابية التي عبرت عنها المملكة المغربية أكثر من مرة، ولا يفوتنا هنا التذكير بالإشادة الدولية والافريقية، خصوصا، بعودة المغرب إلى حضنه الافريقي، والتي عززتها العلاقات الديبلوماسية والزيارات الوازنة التي قام بها العاهل المغربي، إلى مجموعة من البلدان الافريقية، مما يعكس امتداد الجذور المغربية في افريقيا، والتاريخ الديبلوماسي الكبير، للملكة مع أغلب بلدان القارة الافريقية.


ولعل هذا ينطبق على علاقتنا المغربية، مع دولة تونس، التي تربطهما علاقات روحية وتاريخية وحضارية، ففي ظل أزمة كوفيد، أقدم المغرب على بناء مستشفى ميداني، وتقديم مجموعة من المعدات والأدوية، للتخفيف من آثار الجائحة، بل وفي ظل المرحلة الانتقالية التي عاشتها تونس، والتطرف والإرهاب الذي مس أمنها، زار جلالة الملك محمد السادس تونس لمدة عشرة أيام، تعزيزاً لهذه العلاقات التاريخية، التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، أثمرت مجموعة من الاتفاقيات، كالتبادل الحر وفتح المملكة الباب أمام البعثات الطلابية للدراسة في المغرب، مع الاستفادة من منح دراسية بالإضافة إلى التبادل التقافي، والعلاقات المثينة والمتميزة بين المجمع المدني المغربي والتونسي، وغيرها من العلاقات والأنشطة الثقافية، التي تعكس هذا الالتحام بين المجتمعين المغربي والتونسي. فالباحث في تاريخ العلاقات المغربية التونسية، وما تقوم عليه من روابط متينة، لا يمكن إلا أن يؤكد على استمرارها، وبالتالي فالاحتكام إلى العقل والشرعية، وعودة العلاقات الديبلوماسية، سيوفر مجالا أكبر للحوار وتجاوز هذه الأزمة، التي لن تخدم وحدتنا المغاربية، علما أن كلفة اللامغرب تؤتر سلبيا على اقتصاد، ونسب النمو في بلدان المنطقة، التي تقدر ساكنتها بأكثر من 100مليون نسمة، وتفقد فيه اقتصاداتها نسب نمو يمكن أن تسد مجموعات من الفجوات، بل ستجعلها في مصاف دول رائدة ومتقدمة.